العبق الفردوسي الجزء الثالث :

خرج من المنزل ، وسار بخطى وئيدة وعيناه على منزلهم الذي لا يبعدُ عن منزل شجرة الليمون إلا بضعة أمتار ، واتجه إلى حائطه المطلي باللون الأبيض ذي الأبواب البيضاء –الذي قطنه وهو في السابعة من العمر- ووقف أمام عمود الإنارة الذي يجلسون تحته ليلعبوا ما يحلوا لهم من ألعاب ، أو يتناولوا الشاي في ليالي رمضان ، أو يمضوها في السمر والأحاديث ، ثم مضى مباريًا المنزل ، ثم انعطف بعده يمينًا –من جانب الباب الأحمر الكبير- ، وجال في الحي ، وبين البيوت التي أعيد بناء بعضها ، وترميم وطلاء بعضها الآخر !
كان يجولُ في حيِّه الذي ظعن عنه أُلَّافُهُ ، ومضى عنه أنداده ، فقال : أيتها المنازل ، التي أضحتْ أطلالًا : أين أهلكِ الذين شادوكِ –فيما مضى- لبنةً لبنةً ، ثم حجرًا حجرًا ؟!
أين من عمروكِ بأخلاقهم ، قبل أن يبنوكِ بسواعدهم ؟!
أين من تعالتْ ضحكاتهم ، وملأ عَرَصَاتَكِ نقاؤهم ، طهرهم ، براءتهم ؟!
تغيرت المعالم ، وتبدلت المنازل ، ومضى أهل الحي ، وحل غيرهم ، فأين أهلكِ وأصحابكِ ؟!
وايم الحق ، لو نطقتْ لقالتْ : لبوا نداء من لا يرفض نداؤه ، ولا يعصى أمره ، فتبدلوا بالمنازل الفيحاء الأجداث الضيقة –جعلهم الله ممن مُدَّ لهم مَدَّ البصر- ، وإن لم تحرم على الأرض أجسادهم ، فلم يبق منهم غير عجب الذنب !
أجال ناظره في منازل الحي مرةً أخرى ، ثم ثبَّتَ بصره على منزلهم –المطلي باللون الأزرق ذي الأبواب الرصاصية- المطل على الشرق والجنوب الذي فيه نشأ ، وفي عرصته درج ، ووقف أمامه –وقوف الصفيِّ على قبر صفيِّه- مطأطئ الرأس ، شجي القلب ، ودموعه تنساب على وجنتيه وقدماه مسمَّرتان لم يَسْتَطِعِ الدُّخُولَ إليه للذكرى التي أَرْمَضَتْ قلَبَهُ ، وأحْرَقَتْ كَبِدَهُ !
وقفَ خارجه ينظرُ إلى النخلات الثلاث التي تُطاولُ الحائط ، وشجرة البرتقال بجانب الحظار التي له معها ذكرى وأي ذكرى ، ثم قال : لم أَحُلْ ولم أَنْسَ ، وليس الأمرُ بيدي لأتَّخذَ قراري ، ولكنه قرارٌ في النهاية سألقاه أطال الزمنُ أم قَصُرَ !
أذكرُ ولادتكَ في الليل ، أذكركَ عندما كنتَ تحبو وتدرجُ ، وتتعثَّرُ ! وأذكر مضيَّكَ معي إلى مغنى الصبا ، ولعبنا ولهونا !
أذكرُ ذكرى ! بل سهامًا تُغرزُ في قلبي ، وبركانًا يُحرقُ كبدي ، وحِمْلًا يُثقلُ كاهلي !
لم يَستطعِ المكُوثَ أكثر ، فنظر إلى الدرب الذي عن يمينه المؤدي إلى مغنى الصبا ، وملتقى أنداده ، وأترابه ، ثم نقل ناظره إلى الدرب الذي عن شماله المؤدي إلى المسجد ، ومنازل أنداده الآخرين ، أطال التأمل ، ثم مضى إلى مغنى الصبا ، وجال بين الأثل المتناثر فيه ، ...

يتبع ...

خالد العصواني ,ĂĐмйŤ.7βĶ ,غنُج ملفُت ♔ و 4 آخرون معجبون بهذا

مسترٍيَحٍ آلُبآلُ ,نورهان ,مهابه ,احمد حماد

المصدر : منتديات تتنفسك دنياي - من ثورة حرفٍ في الوريدّ سَبقُ نشرِهَآ

طريقة السرد ماتعة ومؤثرة
وفي كل جزء عنصر التشويق للآتي من أجزاء
نتابع معك أيها الفذ
تقديري والاقحوان
والنجوم الخمس والتقييم

ĂĐмйŤ.7βĶ ,مهابه معجبون بهذا

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد حماد

طريقة السرد ماتعة ومؤثرة
وفي كل جزء عنصر التشويق للآتي من أجزاء
نتابع معك أيها الفذ
تقديري والاقحوان
والنجوم الخمس والتقييم

حين يقرِّظُ أديبٌ بقامة أبي يزن ، أحد نصوصكَ ، فاعلم أنه بلغ شأوًأ بعيدًا في الإبداع (جل تقديري ووافر امتناني) .

مهابه ,احمد حماد معجبون بهذا

سرد لايمل منه واسلوب مشوق
ننتظر التتمه بكل تأكيد
سلم البنان

ĂĐмйŤ.7βĶ معجب بهذا

يختم ويرفع للتنبيهات مع الاضافه

ĂĐмйŤ.7βĶ معجب بهذا

قصه فيٌَُ قَـٌَْمة الٍـٌَِْروعَُه
â—ڈ
فيْ انـًَتظار المـَْزيد مِْن الابـٌٍَداع والاطروحات المفًٍَيده
â—ڈâ—ڈâ—ڈ
جَنْآإئِنْ آلْوَرٍدٌ لقلمكَْم الرائـع
كونوا بِخَيْر وَآمْـٌٍُْاان

ĂĐмйŤ.7βĶ معجب بهذا

عبد العزيز

الصمت في حرم الجمال جمال
اشكرك علي هذه الخاطرة الرائعة كروعتك
وعلي كل هذه المشاعر المميزة كتميزك
كلمات ومشاعر راقت لي لرقيها ورقيكم
لا حرمنا الله من تواصلكم ورقي العطاء
احترامي وتقديري لكم

ĂĐмйŤ.7βĶ معجب بهذا

طرح جميل وجهود مميزه
يعطيك العافيــة على هذا الابـــــداع
خالـــص شكــري وتقديـــري

ĂĐмйŤ.7βĶ معجب بهذا

أحتار ما أنسج هنا ..
قصه رائعه كروعتك . .
في النهاية :
لا أملكُ سوى كلمة ..
الصمتُ في حضرة الجمال جمال ) ...
حقاً و صدقاً ) ..
ب إنتظآر جديدك وعذب أطروحآتك

ĂĐмйŤ.7βĶ معجب بهذا

بحق وبدون مجاملة انك
بحر كبير ملئ بالأسرار و كل جديد
الإبداع صفة أساسية من صفاتك..
واصل وانت من تميز لتميز

ĂĐмйŤ.7βĶ معجب بهذا