08-12-2023
|
#11
|
رد: تـــبــاريـــح :
عندما ترضى تقول : أفدي تراباً تطأه قدماك وعندما تغضب تقول : (عزو ترى بأعطيك كف) فما أجملها وأعذبها وأرقها في حالتي الرضا والغضب .
|
|
]
|
09-12-2023
|
#12
|
رد: تـــبــاريـــح :
إنْ عادَ بابٌ فَمَنْ يأتي بطارقهِ
والبيتُ إن عادَ من يأتي بِمَنْ فيهِ
لي وقفة -بإذن الله- مع هذا البيت البديع !
|
|
|
14-01-2024
|
#13
|
رد: تـــبــاريـــح :
أن تفيقَ في آخر الطريق ، خيرٌ من أن يمضي العمر في سدورٍ وغيٍّ لا إفاقة منهما !
الحمد لله الذي أزال الغشاوة ، وجلا الران !
|
|
|
15-01-2024
|
#14
|
رد: تـــبــاريـــح :
توأم روحي : لا أقولُ أرمضني الحنينُ إليكَ ، بل إنه يقتلني قتلًا ، ووايم الله أني لا أكتبُ عنكَ إلا ودموعي تنساب على وجنتي !
|
|
|
06-05-2024
|
#15
|
هي الأقدار !
قرأتُ قصيدةً لأختي الموقرة وارفة البيان ردًّا على أحد نصوصي ، فأذهلني بيانها وبلاغتها ، فوجدتُ القلم دون وعيٍ يجاريها بهذه الأبيات المتواضعة التي لا ترتقي لبراعة قصيدتها ورصانتها :
وسح الدمع يدفعه أورا
سخياً كأنه يغرفُ من بحارا
وضجت في الأضالع
أحرف من اسمِ سارا
وما كان الشقاء شقاء غدرٍ
ولا كان الحبيب صموتاً كالجدارا
وإن جار الزمان كثيراً وافترقنا
وما ألقى له محض اعتذرا
هي الأقدار تطرحنا لقاعٍ
وقاع الأرض يزدحم افتخارا
بجمع أحبة رحلوا تباعاً
هجروا الأحبة والديارا
وظل الفاقدين كما الحيارى
فلا الشكوى تكون بذات نفع
ولا الدمعات ترجع من توارى
ولا الأجداث تخرج ساكنيها
ولا جيب يشق ولا انتحارا
يعود بمن ذهبوا لحقٍ
وكأس الموت مملوءاً يدارا
وارفة البيان
وقد جاريتها بهذه الأبيات :
أَوَارفَةُ البَيَانِ أَثرْتِ شَجْوًا
قَتَلْتِ الكَهْلَ وازْدَادَ انْكسَارا
بيانُكِ مُتْرَعٌ شَهْدًا وحُسنًا
وحبركِ فاضَ عقيانًا نُضَارا
أَوَارفَةُ البَيَانِ مضوا سراعًا
وأَمْسَى بَدْرُ لُقْيَاهُم سَرَارا
مضوا بأَزِمَّةِ الأَفْرَاحِ طُرًّا
وأبقوا شَجْوَ قلبٍ وانهمارا
ونحن إذا أتانا الوعدُ نغدو
وَمَغْنَى الوَصْلِ يَزْدَادُ انَحسَارا
هي الأقدارُ تجري دونَ كَلٍّ
إلى أن تُصبحَ الأَرْضُ قِفَارا *
18 رمضان 1445 هـ .
* دخل حشو التفعيلة الثانية النقص (تسكين الحرف الخامس المتحرِّك من التفعيلة وحذف الحرف السابع) .
|
|
|
06-05-2024
|
#16
|
الـمَلْحُوُّ الممقوتُ !
هأنذا أؤوب بخفي حنين بعدما أمضيتُ في الأدب أكثر من ربع قرن ، وفي مسامرة الكتب خمسة وثلاثين عامًا وقد أيقنتُ –يقينًا لا يُخامره شكٌّ- أنني أضعتُ عمري فيما لا نفع فيه ولا نجاة ، وأنَّ ما أكتبه لا يرتقي لمستوى النشر ! فمن يعيدُ لي ما مضى ويسعفني في الاجتهاد فيه ؟!
أيجدي الندمُ والإقلاع والعزم على عدم الإياب ؟!
أيجدي الغضبُ والمقتُ ؟!
أيجدي الإتلافُ والحرقُ والظعون ؟!
وا أسفي ! وا أسفي ! وا أسفي على عمرٍ أضعته خلف سرابٍ خادع لا يرتقي بي للدرجات ، وإنما يهوي بي في الدركات !
وا أسفي على استرواحي نفث الشيطان وعدوي خلف سرابه !
وا أسفي على عدم إصاخة السمع ، وتحكيم العقل فيما كان يطرقُ سمعي من أهل العقل والحكمة بأن هذا السبيل ليس فيه سوى عَضِّ الأصابع والتَّحَسُّر !
كم وددتُ -وكثيرًا- أن يعودَ بي الزمن للوراء لأقف أمام نفث الشيطان وألعنه وأشيحَ عنه ، وأتحصَّنَ ضدَّهُ بالأوراد في تلك الليلة ، وأصلي لله شكرًا أن عصمني منه وأعاذني !
بعد هذا العمر المضني آن للعقل المجهد الذي أكثر الدَّلَجَ أن يُخلدَ للراحة بعد هذه الرحلة المضنية !
بعد هذا العمر المضني آن للقلم أن يُقذفَ في بيداء البغض والتيه !
بعد هذا العمر المضني آن للمحبرة أن تُحطَّمَ ويراقَ مدادُها !
بعد هذا العمر المضني آن أوان المضي وعدم الالتفات ، ومضاء العزم !
لئن أعادني الحنينُ فيما مضى إلى بيداء الأدب وهجيره رؤية القلم والأوراق ، فقد صممتُ أذنيَّ ، وأشحتُ ناظري ، ومزقتُ شرايين الحنين وأوردة الهوى فوداعًا وداعًا ! بل لَحْوًا لَحْوًا ومقتًا مقتًا ! أيها الـملْحُوُّ الممقوتُ !
ربِّ : أتيتُ والخشية غمرتِ القلبَ ، وأرعدتِ الفرائصَ ، مُوْهَنًا من تصرُّمِ الأيَّام ، وتقهقر الشباب وتقدم المشيب ، مثقلًا من كثرة التطلع والرنو والترقب !
ربِّ ورب السموات والأرض ومن فيهن وعليهن : لئن لم يَطُلْ لبثي ، فأسألكَ برحماتكَ المائة ألا تحرمني أمنية العمر العظمى ، وأن تنيلني إياها قبل شخوص البصر وميلان الرأس !
يا من رحمة من رحماته فعلت العجب العجاب ، رققت القلوب ! حدبت الأنفس ! أسالتِ الدموع ! مدت الأكف ! أسألكَ برحماتكَ المائة التي لا يحيط بها وصف ، ولا يستوعبها عقل أن تشفيني شفاءً لا يغادرُ سقمًا ، وأن ترحمني وتغفر لي ما أسلفت ، وتبارك لي ، وتحقق أمنية عمري العظمى !
ربِّ : أتوسَّلُ بكَ إليكَ ، أتوسَّلُ إليكَ برحمتكَ التي وسعتْ كل شيءٍ ، أتوسلُ إليكَ بمن يتطاولُ إبليسُ لها لعلمه بسعتها ألا تردَّني خائبًا وتنيلني أكثر مما سألتُ وأمَّلْتُ !
ربِّ ربِّ ربِّ : ارحم الكفين الممدوتين والمقلتين الذارفتين والقلب النادم والكبد الحرى ولا تردني خائبًا فلم يقفْ ببابكَ سائلٌ وذِيْدَ عنه ! ولا أتاكَ طالبٌ وعادَ خائبًا ! ولا قصدكَ مكروبٌ وخُذلَ ! سبحانكَ ما أرحمكَ ! سبحانكَ ما أرحمكَ ! سبحانكَ ما أرحمكَ !
1445/10/9 هـ 3:45 م .
|
|
|
28-05-2024
|
#17
|
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر :
نصٌّ للأديب الكبير والناقد المتفرد عدي بلال (المهندس) :
( وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر )
تجلس في السجنِ صامتاً، والكلمات تثرثر في عقلك، تنشدك الكتابة ..
تترك الحرية لعنان فكرك، تتجاوز الباب، والسجان، والأسوار .. لا شيء يوقفك..
تفكر في قضاء يوم أجازةٍ مع والدتك، تشتاق نفسك إلى رائحة الخبزِ من يديها ..
تسمع صوت والدك يدعوك إلى الصلاةِ، ووجه أمك يشرق كشمس النهار أمام الطابون، تبتسم وهي تراقبك تسرق أول رغيفٍ .. " اصبر يا ولد " ..
تسمع هذا الراقد بجانبك يتمتم في حلمه، يهذي بأسماء تعرفها، حدثك عنها مراتٍ ومرات، تكاد تعرف أشكالهم، تسمع ضحكاتهم، قصصهم التي ما فتِئ يُحدثكَ عنها كل يوم.
تحاول أن تستعيد حريتك من حلمه، تصم أذنيك هذه المرة بأصبعيك، تحلق روحك إلى المدينة المجاورة، تقف أمام بيت من أحببتها، منذ كنتما صغاراً، تلعبان لعبة الغميضة، وتدعي كل مرة بأنك لم تجدها، وهي تسكن بداخلك.
تجلس معها في المقهى المجاور، تحتسيان القهوة، بعد يوم طويل من المحاضرات في الجامعة، ونفسك ترنو إلى لمس يديها، لكنك لا تجرؤ ، فأنت من أقسم بطهرها ذات شوق.
تسمع صياح السجان خلف البابِ، وسمعك قد ملَ من تكرار كلماتهِ الجوفاء كل مساء ..
" ناموا ولا تستيقظوا "، تتجاهل كلماته، وتمضي في حلمك الذي اخترته، لا شيء سيوقفك ..
تبتسم حين يرتسم على الجدار وجه اختك، مشاكساتها معك، تذمرها من كي ملابسك، شكواها لأمك، عبراتك تسكبها على الورقة البيضاء تحت قلمك، تتوضأ بها، ألا إن فرج الله لقريب.
قراءتي المتواضعة لنصه البديع :
حين ينثر سحر يراعه كاتب أديب أريب ناقد بارع مثل عدي بلال (المهندس) فأنتَ بحاجة إلى مئات العقول مع عقلكَ وطاقة استيعابية ضخمة تستوعب هذا الإبداع !
حين قرأتُ العنوان شردتُ قليلًا أتأملُ وأتساءلُ لماذا جعل عجز بيت أبي فراس عنوانًا للنص ! وسرعان ما تبادر إلى ذهني براعته فبما أنه يتحدث عن إخوتنا في سجون الاحتلال –فكَّ الله أسرهم ونصرهم على من ظلمهم- فهذا العجز يناسبه تمامًا لأن أبا فراس قال أروع رومياته (أراك عصي الدمع) في سجن الروم حين تخلَّى عنه الأقربون ! وإني لأتساءلُ مُتعجِّبًا هل يقصد عدي بالليلة الظلماء (الظلم الذي حاق والسجن الذي ضم) ؟! وبيُفتقدُ البدْرُ (الأهل والأحباب وقبلهما العدل والحرية) ؟!
ما أعجب هذا القاص البارع والناقد الأبرع عدي بلال ، فهو يعرف من أين تؤكل الكتف ، ويعلم بماذا يبدأ نصه ، وكيف يَشُدُّكَ من أول كلمة فيه !
يستهل نصه بــ (تجلس) وأراد به الديمومة والاستمرار (وهذا ليل الظلم يمتد ونادرًا ما ينجلي)
ثم يطابق مطابقة بليغة بليغة بليغة بين (صامتًا وتثرثر) ولها دلالة عميقة وصورة بلاغية مؤثرة ، ثم تفلتُ من فيكَ صيحة إعجاب ودهشة حين تقرأ هذه العبارة البديعة : (لا شيءَ يوقفكَ) ما أبرعها ! فقد بلغت الغاية ووفِّقَ غاية التوفيق في توظيفها هاهنا ، فلا الحيطان الشاهقة ، ولا القضبان الباردة ، ولا البنادق الرشاشة ، ولا الظلمة العابسون ، المتحفزون وأيديهم على الأزندة يستطيعون الحيلولة دونه ودون ما مضى خلفه !
يسرحُ مع أحلامه ! يمضي وراء رجاء ذلك اليوم ! فالجسدُ حبيسٌ لكنَّ العقلَ طليقٌ يمضي في ملكوت الأحباب ، وموئل الأتراب ، ومنزل الأهل حيث الأمن والأمان والطمأنينة والتمام الشمل !
وهنا يُغرقُ القاص البارع في صُوَرَ بَليْغَةِ لا تملكُ أمامها إلا ذرف الدموع مُرغمًا ، ورفْعَ الأكُفِّ من بداية شروده ومُضيِّه إلى إفاقته على صوت الظلم حتى يختمَ نصَّه العذب البليغ الذي تدثر غلالة الشجى بآية وعدنا بها الرحمن الرحيم (ألا إن نصر الله قريب) !
ليعذرني أخي على هذه القراءة العجلى فالنص مليء بالصور البلاغية ولكن غلالة الشجى التي اكتنفته حالت دون قراءته قراءة شاملة !
|
|
|
21-06-2024
|
#18
|
سارة !
نظر إلى السماء وهي تتلبَّدُ بالغيوم ، فاحتذى حذاءه ، وأوصد الباب خلفه ، وأخذ يجول في سككِ القرية التي هجرها بعض أهلها إلى المدينة حتى قادته قدماه دون وعيٍ منه إلى منزل شجرة الليمون في طرف القرية التي هجرها أهلها ومضوا عنها إلى المدينة !
أصاخ سمعه لصرير الباب وهو يفتحه ، ثم نظر إلى عرصة الدار المليئة بالغبار وبعض أغصان شجرة الليمون المبعثرة وأوراقها المتساقطة !
دلف إلى الداخل وبدأ التجول فيه متأمِّلًا متذكِّراً ما مضى ، عندما كان البيت آهلًا تخفق بين جوانحه السعادة ، ويَنْضَحُ من عِطْفَيْه الأنس والبهجة !
خطى بضع خطوات ووقف أمام العمود ونظر إلى العش في التجويف الخشبي أعلاه ، وتذكر كيف يصعدون إليه ويأخذون العصافير التي فيه ويذهبون بها إلى أمهاتهم ليذبحنها لهم ويطهينها !
تبسم ونقل ناظره إلى الميزاب في الحائط الذي يتناوبون القفز والمرور منه عندما يسيل منه ماء المطر !
أطال التأمل والتذكر ، ثم قال : ما الذي حداني على العوج على مغاني الصبا ومنزل شجرة الليمون مذْ ريعاني حتى كهولتي ؟!
ما الذي حداني إلى ترك مغنى الصبا وملتقى الأتراب في جهة الشمال والحضور إلى البقعة الخالية الصغيرة في الجنوب ؟!
ما الذي حداني على النوم في الفناء قرب الحائط الغربي ، وجعل رأسي إليه ؟!
ثلاثون عامًا مذْ ظعنتِ من القرية وأنا لم أنس ذلك المحيا الجميل ولا المنزل الذي ضمَّكِ عطفاه ؟!
ثلاثون عامًا وفؤاد الحنين يثعبُ دمًا لا يرقأ !
ثلاثون عامًا وأنياب النأي تقطر منها الدماء !
انسابتْ الدموع على وجنتيه وهو يتذكر ما كان في عطفي هذا المنزل والقرية من الأنس والسرور والتئام الشمل ، ونقاء القلوب ، وتكاتف الجيران ، وسارة التي كان يراها تمثال البهاء والحياء !
استدار ومضى إلى شجرة الليمون في آخر الفناء الشمالي الغربي ووقف أمامها ، وقال : أحببتكِ حبًّا تجاوز الجسد وسما إلى الروح ، حتى لو أن غيركِ بمسلاخكِ ما نظرتُ إليه فضلًا عن أن أحفل به !
يا الله ! كم أودُّ من كل قلبي أن أعود ذلك الطفل الذي ينسلُّ من مغنى ملتقى أترابه في الجهة الشمالية ، ويأتي إلى البقعة الخالية في جهة الجنوب لأنَّ منزلكِ هناكَ ! ولأنَّه يراكِ من النافذة تطلين فيُبهج ناظره بمحيَّاكِ العذب البديع ، وقلبه بالأماني التي ينسجها وينساق خلفها !
كم أودُّ أن أعود ذلك الطفل الذي يجلس تحت النخلة ليسرح مع أحلامه وأمانيه وأنتِ أعظمها وأعزها !
رفع رأسه إلى النافذة المطلة على شجرة الليمون ، وقال : لا شيء يعدلُ عند الكهل شروق الشمس وغروبها ، ورؤية الطيور العائدة إلى أكنانها ، ونسيم الصحراء والبحر في الليل ، وعبق الأثل وبيوت الطين والغيث المنهمر ، إلا رؤية محيَاكِ البهي ، ونجي حديثكِ البديع ، وصوتكِ العذب الذي ينساب في سمعه ويستقر فيه استقرار الطمأنينة في القلوب !
صمتَ قليلًا ورفع ناظره إلى الجدار المنثلم ، وقال : لم تُمْتَطَ صهوة جواد الوصل ! وها قد أكهلتُ فهل آن الأوان ؟! أم سيَنْبَتُّ رسَنُ الّلِجامِ ويمضي دون أن يُـمْتطى !
خرج يجرُّ قدميه جرًّا واتجه إلى الأثلة في آخر القرية واتخذ مجلسه أسفلها ، وبدأ يرقبُ السماء وهي تعبسُ ثم تكفهرُ ثم تزفرُ وتبتسمُ !
كانت هذه العادة لديه مُذْ أيفع لا يقطعها إلا حين يُقعده السَّقَمُ ، وحينها يجتمع عليه السقمان (سقم الجسد ، وسقم حرمانه من الأنس والسرور بجلوسه ومراقبته) !
كان يستروحُ عبير الأثل المخضلِّ من الغيث المنهمر ، ويقول : أي عبقٍ يعدلُ عبق الأثل المخضلة أغصانها وهدبها من الغيث المنهمر ؟!
أيعدله عبق لقاء الأحباب ووصلهم ؟!
هو والله منه وإليه ! فطالما اجتمعنا أسفلها واكتنَنَّا بها عن الغيث المنهمر ، وامتزج الغيث وما تساقط من الهدب بملابسنا ، وملأنا رئاتنا منه !
أم لحظات الوصال المختلسة من فم النأي ؟!
هي والله مكان اللقاء ، ومجلس الأنس ، ومأوى عنادل الهوى التي تشدو ألحان الحب وترانيم الوصل !
صمتَ قليلًا ، وأطرق برأسه وبقلبه يعتلج الذي أخرجه من العريش المسقف بجذوع الأثل وجريد النخل والجمر المضطرم في الموقد ، والقهوة والشاي ، والأثلة المنتصبة في عرصة الدار !
نظر عن يمينه فإذا الأرض منبسطة ممتدة لا يحدها سوى الكثبان الرملية ، ونظر عن يساره فإذا القرية تلوحُ له منازلها المتراصة صغيرة لبعد المسافة ، مد ناظره للأمام فرأى النساء يستعذبن الماء من النبع ، وعند الأثلة فتى وفتاة يتهامسان !
أطرق برأسه مرة أخرى فرأى زهرة صغيرة من الزهور الربيعية أقحمتْ نفسها بجانب جذع الأثلة ، وأطلَّتْ برأسها من بين هدبها المتساقط ! تبسَّم لهذا المنظر وأطال التأمل فيها ، ولم يفقْ من شروده إلا على يمامة تغرِّدُ ، فرفع رأسه إليها وقال : مضى الريعان ! وأوصدتْ دون الوصل ضِبَابُ الصَّرْمِ والنَّأْيِ والنُّزُوحِ ، ومكانكِ هذا وشدوكِ أولى به الغراب ونعيبه ! فقد مضى ما يؤبه له ويحفل ، ولم أعد أنشدُ إلا ما طال انتظاري له والله أعلم به ولن يخيب رجائي ويقيني !
لا أقول هذا من باب التشاؤم أو القنوط ! بل هو انصرام الريعان والشباب وقدوم الكهولة وتحفز الشيخوخة ! وأوان طيِّ الفراش والتأهب لذلك الموضع وذلك اليوم !
رفع رأسه ونظر إلى السماء متأملًا قطرات الغيث التي ينزلُ مع كل نقطة ملكٌ ليضعها في مكانها دون أن تمتزج بغيرها ، كان يتأمل بهذا الحديث الذي طرق سمعه وقدرة ملك الملوك الذي لا يعجزه شيءٌ ، فقال : لم آتِ إلى هذا المكان العزيز والأثلة المتأصلة في القلب للوصل واللقاء ، واختلاس ساعة أراها بها ، وإنما أتيتُ أبسطُ ضعفي وتضرعي ، وندمي على ما بدر !
أتيتُ للتودُّعِ من هذه المغاني ، وبسط يد الندم ، والرنو إلى السماء ، ورفع أكف الضراعة لعلَّ غافر الذنب قابل التوب يغفر لي ويقبل مني !
صمت قليلًا ، وأحد نظره إلى النبع ، وأراد المضي إليه ، ولكنه تردد ، ثم آثر البقاء تحت الأثلة والمشاهدة من بعيد ، وقال : لم يعد عزو ! بل أبو بسام ! ولم يعد الريعان بل الكهولة ! ولم تعد الفتوة بل الهدوء ! ولم يعد الرنُوُّ بل الإطراقُ ! ولم يعد اللهاث بل الإخلاد ! ولم تعد صلابة العريكة بل لينها !
سيقضي الكهلُ نحبَه ، وإنه لعلى يقينٍ بأن الحظَّ سيبتسم له ، وتشرق شمس السعادة ، ويبزغ بدر الأنس الذي طال انتظاره ، وأن الرحمن الرحيم حرمه الكثير من الأماني –التي زهد بها حين تقدم به العمر- ليحظى بأمنية عمره العظمى التي ينشدها منذ طفولته !
نعم ، سيمضي الكهل مبقيًا أطلال صباه ! مغاني طفولته ! فتنة قلبه ! بيوت الطين ! الأثل ! شدو الطيور ! غيث الشتاء وشروق شمسه وغَشْيُ ليله ! الأصيل ! التي أحبَّ الدنيا لأجلها !
سيمضي الكهلُ نادمًا على ما فرَّطَ فيه ، منيبًا إلى ربه ، سائلًا متضرِّعًا أن يغفر له ويتجاوز عنه ، وينظر إليه بعين الرحمة ويسكنه دار كرامته فضلًا منه وكرمًا !
سيمضي الكهل في ليلةٍ سرمدية كما أتى في ليلةٍ شديدة الغيهب ، مبتسمًا راضيًا حامدًا لله شاكرًا أن أتمَّ عليه نعمته وأسبغ عليه فضله !
سيقضي الكهل نحبه وستشدو الطيور سرورًا مازجةً بين الصبي ذي الشِّرَّة والكهل ذي الوقار !
ليمتد الجهام فغايته انبلاج الفجر ، ولتثر الزوابع فمداها السكون ، ولتربو القواصف فعقباها الهدوء ! ولتنعب الغربان فمآلها الصمت !
نهض من مجلسه واتجه صوب المقبرة في آخر القرية ، وجال بين رجامها الصامتة ، ورسومها الدارسة ، وهو يتذكر أحبابه الذين قضى معهم ردحًا من الزمن ، فمنهم من لبَّى النداء الأعظم ، وها هي بقايا رسوم ديارهم الدارسة ! ومنهم من شطتْ به الديار ومضى إلى حيث حطتْ به عصا التسيار ولقمة العيش ، فقال : متنا قبل أن تموتوا ، وسكنَّا أجداث الشجى ، قبل أن تسكنوا الرياض النضرة وتمتهدوا الزرابي والاستبرق –بإذن من وسعتْ رحمته السموات والأرض- ، وفاضتْ أرواحنا حنينًا قبل أن تفيضَ أرواحكم لرحمة الرحمن الجواد الأكرم !
مضى صوب الكثبان الرملية ، وهو يرى الليل مادًّا ذراعيه ، فقال : استقبلني الليل في أول قدومي إلى الدنيا ، وها هو يمد ذراعيه لاستقبالي في آخر المطاف !
لفه الليل بردائه ، وكان آخر العهد !
|
|
|
13-07-2024
|
#19
|
رد: تـــبــاريـــح :
نُشرُ تصميمٌ في أحد المنتديات وطُلبَ مني المشاركة فلم أستطع إلا الامتثال :
ها قد استجاب الله دعواتي التي كنتُ أرفعها إليه في اليوم والليلة مذْ أيفعتُ !
ها نحن معًا تحت سقفٍ واحدٍ ! ترفرفُ علينا أجنحة السعادة ، وتظلُّنا سحب الأنس والسرور !
ها أنتِ تضعين رأسكِ على قلبي لتنصتي إلى اسمكِ الذي تشكله نبضاته بانتظام وأنا أضع رأسي على قلبكِ لأعبَّ من السعادة وأكرع من الطمأنينة !
قد أزهدني الله في النساء وفي الزواج لأنه سيجزي صبري بكِ –بعد هذا العمر- وأنتِ التي انتظرتها مذْ رأيتها أول مرة ، والتي ارتضاها قلبي وألفتها روحي ، وها هي عنادل الهوى تشدو لنا ألحان الحب ، وبلابل الوصل تغرِّدُ ترانيم اللقاء !
يا أميرة الفواتن وسيدة القلب المتربعة على عرشه : لستُ نادمًا على عمري الذي مضى دون روحٍ تؤنسُ وحدتي وتبدِّدُ وحشتي ! ولكنني نادمٌ أشدَّ الندم على عمرٍ مضى وأنتِ نائيةٌ عنه ، أبثُّ الليل وما فيه شجني وحنيني إليكِ !
2/1/1446 هـ 23 : 5 م .
|
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 12:26 PM
| | | | | | | | |